قوة السوشيال ميديا “التعامل مع الجريمة بين عقل الحاكم وعواطف المحكومين”.

“طالب الفريسكا – بنت أحمد وزينب – فتيات التيك توك – سيدة القطار – مجند التذكرة – طفل المرور – إزدراء يوسف هاني – بائعة المطر – صورة محمد رمضان – دكتور الإزدراء…” وغيرهم الكثير، كل هذه كانت مواضيع تصدرت الرأي العام لا أقول في عام 2020م بل أقول في في الفترة الأخيرة فقط من هذا العام.

مخطئين تمت محاسبتهم، ومُحترمين تم تكريمهم. حفلات أُلغِيَت، ومغتصبين مُنِعوا من دخول مصر. والعامل الثابت في كُل تلك الأحداث هو “دور السوشيال ميديا” في صناعة الخبر.

كانت “قوة السوشيال” بذلك سلاحًا ذو حدّين، يحتاجُ فقط لضابط لتحصُل الفائدة الحقيقة منه؛ ولكي لا يستخدم في تصفية الحسابات بين الأفراد، فيستخدمها ضيعف النفس في التخلص من خصومه وازاحة من يُريد، ولكي لا تكون منبرًا لكل من لا منبر له من المتطرفين من اليمين أو اليسار فتُصبح بذلك أرض خصبة لنشر الأفكار الخاطئة والمبادئ والمعتقدات الهدَّامه. 

وكان خوفي من هذا السلاح الخطير يتلخص في سببين هما: (1) إن يكون هذا السلاح سببًا في ظُلم بريء. (2) أو أن يكون سبب في تشديد العقوبة على مذنب. ولكي يتضح كلامي أضرب مثالًا لكل سبب من السببين. فالسبب الأول كأن تتسبب السوشيال ميديا في سجن شخص تم تشويهه إعلاميا دون سند أو دليل حقيقي لمجرد أن أخصام هذا الشخص استطاعوا أن يتصدروا الرأي العام بإتهاماتهم. والسبب الثاني أن يكون المخطئ والمذنب عقوبته غرامة مالية، وبسبب تصدُّر قضيته للرأي العام تكون العقوبه سجن، أو أن تكون عقوبته السجن مدة وجيدة وبسبب السوشيال ميديا تصبح عقوبة مشددة وهكذا.

رأيتُ مؤخرًا بصورة ملحوظة أخبار تُفرِّحُ القلب وتشفي صدور المظلومين، مِن مُحاكمة مخطئين، وملاحقة مغتصبين، والقبض على متحرشين، ومحاكمة مُهملين، وإيقاف مُبتزّين، والتحقيق مع مُزدرين، وخلاف ذلك من تريندات وأخبار تتصدر صفحات المواقع يوميًا، ولم يكن سبب فرحي فقط لتطبيق العقوبات ورد الحقوق لأصحابها، بل أيضًا لسرعة  التحرك وردّ الفعل تجاة تلك المخالفات. فيكون الخبر في الصباح وتكون التحريات والتحقيقات في المساء على أقصى تقدير، مع شرح موثوق للرواية فيتم القضاء على الإشاعة في مهدها ومنع أي مبالغات في الأحداث.

وعرفتُ من خلال الصفحة الرسمية للنيابة العامة المصرية أن تلك التحقيقات جائت بسبب خطة من النيابة تجاة ما يدور على السوشيال ميديا من مخالفات وأخطاء، رأي المسؤولون عن أمن البلاد سرعة التحرك بفعالية تجاة تلك المخالفات وعدم انتظار أن يتقدم احد بطلب التحقيق رسميًا فيها. فكانت النيابة العامة بذلك هي الضابط المنشود الذي رجوته ورجاه الكثير من محبي هذا البلد، الراجين تحقيق العدالة ورد المظالم ومساندة المظلومين.

لقد أُنشئت إدارتين بمكتب النائب العام (إدارة البيان) و (وحدة الرصد) بهدف التحقيق في المخالفات ورصد المخالفين، وتحقيق العدالة الناجزة طمعًا في أن يعيش المصريون في بيئة مناسبة بعيدة عن أجواء الإشاعات والجرائم التي لا تناسب إلا الغابات.

اتمنى أن يظل هذا السلاح (سلاح السوشيال ميديا) تحت سيطرة النيابة، لكي لا يحدث ما يخشاه كُل منصف، وأقول بالمناسبة للمصريين أن العواطف لا تصلح أن تكون قانونًا، فلقد شرع الإسلام شهادة الرجلين لكي لا يميل رجل بعاطفته تجاه الباطل فيضيع الحق، وشرع شهادة رجل وامرأتين في حالة عدم توافر رجلين عدول لنفس السبب. العامة تحكم دائمًا بعاطفتها، فتجد احيانًا مطالبات بحبس طفل حديث السن! أو إعدام شخص بسبب أمر عقوبته مجرد غرامة مالية، إلخ ذلك من مطالب منبعها العاطفة لا العقل. 

على سبيل المثال، عندما طلب الجمهور القبض على أحمد وزينب المعروفين على اليوتيوب في مصر بسبب ترويعهما لطفلتهما الصغيرة، كانت المطالبات بسجنهما بسبب التعاطف مع الطفلة الصغيرة! ولم يفكر أحد في مصير تلك الطفلة! هل حبس والديها وسجنهما  هو الحل لتحيا تلك البريئة في سلام؟! فها قد تم سجنهما وأوضعت الطفلة بدار لرعاية الطفل. وإذا بالجمهور المُساف بعاطفته يطالب بالإفراج عن المذكورين!. هذا حال كُل رأي نابع من عاطفة بحته، تجده يعصف لليمين تارة ثم لأقصى اليسار تارة أخرى.

أقول أيضًا لكل مظلوم ولكل من له حق أن يطالب بحقه لأن الحق الذي وراءه مطالب لا يضيع، وأقول ” من أمِنَ العقوبة؛ أساء الأدب”. حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فيلم يوم وليلة (مُعضِلة تناول المشاكل الإجتماعية)!

تعليقًا على فيلم (يوم وليلة) للعالمي خالد النبوي وأحمد الفيشاوي والفنانة دُرَّة. وبالمقال حرق لأحداث الفيلم لذلك وجب التنبية.

أولًا: عرض لشخصيات الفيلم.

يعمل البطل (خالد النبوي) بوظيفة “أمين شُرطة” بإحد أقسام الشرطة في المناطق الشعبية وعلى الرغم من نفوذة (على أهالي تلك المنطقة) إلا أنه يعيشُ حياة صعبة فيما يتعلق بطفلته التي هي من أصحاب متلازمة داون مما يجعل اندماجها في هذا المجتمع يشوبه الكثير من المخاطر، وزوجته المتوفية.

يُجّند البطل مخبرين يأتون له بالمعلومات ويُملي عليهم أهداف كُل مهمة، ففي الموالد يستهدف البلطجية، وفي المواسم يعفو عن المتحرشين، وكذلك لكل فترة استهدافها. كما يتعاون مع بلطجية ويساعدهم في تسيير مهامهم وقابل الحصول على نسبة من أرباحهم، ولكنه كان يُضحَّي بهم إذا استفحل أمرهم ويأتي بمن ينوبون عنهم، وهذا التخوين متبادل بين الأمين والبلطجية فهم أيضاً يدبرون له ليوقعوا به.

ثم تأتي دُرَّة التي تعمل “ممرضة” والتي تتقاعس عن عملها بحجة كثرة المرضة، وتأخذ الرشاوي من ذوي المرضى مقابل عمل اللازم، كما ظهرت تلك الممرضة بصورة المرأة التي تفرّط في شرفها مقابل الأموال حيث تواعِد دكتور المشفى، كما تساعد في تهريب بعض الأدوية المحظور تداولها في السوق وتتقاسم الربح مع زميلاتها. تواجهة تلك الممرضة مشاكل كثيرة حيثُ تعيش مع أخيها وزوجته في بيتها وما يصاحب ذلك من مشكلات مع زوجة أخيها وعِراك بين أطفالهم ومشاكل أُخرى تتعلق بطلاقها من زوجها وإنفاقها على أولادها، كذلك التحرش التي واجهه من أحد بلطجية منطقة سكنها.

يـأتي دور المواطن “المسيحي” الذي يعمل كمُدرِّس في مدرسة حكومية، وما يتعرض له من اضطهاد بسبب دينه، فهو المظلوم بسبب ذلك والظالم بسبب الدروس الخصوصية وتعامله مع الطلاب بعنفٍ شديد وكأنه يُخرج الكبت ويُنفّثُ عن نفسه بضربهم، كذلك الشُح والبُخل حتى على اخته وأُمه. وقبل الحديث عن أخته وأخيه أقول أن أُمة هي نفس المريضة التى تقوم على خدمتها الممرضة سالفة الذكر، وٌتأخذ من اخته (إكرامية).

أما عن أخته “الموظفة” في مصلحة حكومية والتي تأخذ الرشوة من المواطنين مقابل إنجاز مصالحهم فهي تُعاني من مشكلة الإضطهاد التي يعاني منها أخيها كما تعاني من مشكلة يعاني منها بعض المسيحيين بسبب قوانين الطلاق، فهي لا تريد أن تكمل حياتها مع زوجها، وتُحب زميل لها في الوظيفة ولا تستطيع الزواج منه بسبب تلك القوانين الخاصة بالكنيسة.

وأما عن أخية “الطالب” المسيحي الذي أكّد المؤلف من خلال دور هذا الطالب على الإضطهاد الواقع على مسيحي مصر، فالطالب هذا يُحب صديقته المسلمة وهي تحبة (والتي بالمناسبة هي أُخت أمين الشرطة) ولكن علاقة هذا المسيحي محكوم عليها من خلال الدين المسيحي والإسلامي ومن خلال المجتمع والأهل بالفشل. والحل بالنسبة للشاب هو الهروب من هذا المجتمع فينصح حبيبته بالهروب معه، وينصح أخته بتغيير الملة لتستطيع تخليص نفسها من زوجها، ويتهم معتقدة بالسلبية وعدم الإنصاف.

لم ينسى المؤلف تيار المسلميين المتشددين أو قل إن شئت: “المسلمين المتطرفين”. فظهر الشخص الملتحي والذي يعمل في نفس المدرسة التي يعمل فيها المُدرَّس المسيحي، وكان هذا الملتحي كثير الإضطهاد حيث أن التطرف وصل مداه إلى أنه لا يشرب في نفس الإناء الذي يشرب منه المسيحيين!. ولكن هذا المدرس (الجاهل) يتعرض أيضًا للإضهاد من العامة، فظهروا يخافون منه ويصفونه بالإرهابي!.

ثانياً: التعليق.

  1. لم يحُل المؤلف أيّـًا من تلك المشاكل ولا حتى أشار لمخرج لأي من الأطراف المتضررة! وهو بذلك يكونُ جزءًا من المشكلة، فما الفائدة من إظهار الظاهر وإثبات المُثبَب. وهي مشكلة الكثير من الأفلام المصرية، يحسب المؤلف أن لدية عينان تختلفان عن عيون الكل ثم بعد ذلك يُرينا ما نراهُ. فإين الإختلاف إذًا؟
  2. ساعد المؤلف من تعقيد بعض المُشكلات بإظهاره للسلبي فقط فيما يتعلق بأصحاب تلك المِهن، فلم يأتي مثلا بمُمرضة شريفة تنصح تلك التي ترتكب المخالفات. بل وخلط معنى المشكلة بمعنى الإشكالية، فالمشاكل لها حلول (لم يأتي بها ولكن لها حلول) أما الإشكاليات فليس لها حل، فإن كان المسيحي متمسك بـ دينه والمسلمة متمسكة بـ دينها ودعوة أحدهما لترك دينه هو أمر غير محمود (سنيمائيًا) وبالتالى تصبح هذه إشكالية ومن المغالطة عرضها مع مشاكل اجتماعية تحدث في كل المجتمعات بنسب متفاوته؟!.
  3. من الإيجابيات التى تظهر جليًّا للمُدقق هي الإشارة إلى ترابط المجتمع المصري فأمين الشرطة نربطة اخته بالمسيحي واخته واخيه، واخت المسيحي تربطها أمها بالممرضة، وتلك الممرضة أيضا يربطها بأمين الشرطة أمه المريضةو هكذا كل طوائف المجتمع، فما إن ارتكب المواطن المصري مخالفه إلا وعادت عليه هو نفسه بالضرر لما بين هذا المجتمع من ترابط شديد.
  4. أخطر ما أراه في هذا الفيلم هو مشاهد الأطفال التي تخرج من بيوت أبطال الفليم لعدم مناسبة البيئة لحالهم ويتجهون للشارع، في إشارة لمشكلة أطفال الشوارع، وبرغم عدم إفراد مشاهد أكثر وضوحًا لهذه المشكلة إلا أنني أراها هي المشكلة الأعظم .. فإن كُنَّا فقدنا الأمل في الموجود فلابُد أن نتدارك النشئ ونساهم في إصلاح ما أفسده من قبلنا وأفسدناه.

فيلم صاحب المقام (الصوفية بين الحقيقة والدراما)!

هذا المقال تعليقاً على فيلم (صاحب مقام) وبه حرق لأحداث الفيلم لذلك وجب التنبية.

قبل أن أبدأ في التحليل أودُ أن أُهنئ الأستاذ إبراهيم عيسى على الفيلم الذي بلا شك حقق نجاحًا كبيرًا بالمقاييس الإعلامية وبالمعايير التي يُقاس بها مثل تلك الأعما الفنية، وما توضيحي لبعض نقاط الخلل إلا شهادةً مني بأن بنيان الفيلم كامل، ولكي يكتمل من جميع الجوانب لابد من النظر إليه من خلال أكثر من عين.

إن إشكالية الأضرحة والمقامات في مصر إشكاليةٌ قديمة، وصراع طويلُ ومرير بين طوائف المجتمع، ولكل طرفٍ دافعهُ العقلي أو النقلي أو العاطفي، فلا الأطراف اقتنع بعضها بفكر البعض، ولا حُلت تلك الإشكالية.

وما جعلنى أقولُ (أطراف) وليس (طرفين) هو أن الآراء الخاصة بذلك الجانب أكثرُ من اثنين! فمنهم الصوفية المعتقدين بالمقامات وأنها لأولياء حقيقيين، ومنهم المغالين في ذلك إلى حدٍ كبير قد يخرجهم من الملة فى بعض الأحيان!، ومنهم من لا يعتقدُ بها مطلقًا!.

وإنني إذ أتحدثُ في هذ الموضوع فإنني أتبنّي الرأي الذي درستُهُ في الأزهر الشريف، الذي يعظم آل البيت، والذي يعتقد بوجود الأولياء، ويعتقد بوجود كراماتٍ لهم فى حياتهم، ويرفض المغالاة في حقهم، فلا سجود لهم ولا اتخاذهم واسطة للتقرب إلى الله.

يقول الله عز وجل في ذَم الكُفّار ووصف حالهم مع آلهتهم: “وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ”.

أي أن الكفار الذين لا يعبدون الله، واتخذوا من دونه آلة أخري، عندما تسألهم عن سبب كفرهم يقولون: إننا لا نعبدهم، بل إننا نتخذهم سبيل وطريق للتقرب إلى الله، نتخذهم وسيلة لكي يستجيب الله لنا، نتخذهم (واسطة) ليشفعوا لنا عند الله.

وبسبب تلك المبررات قال الله لهم في آخر الآية أنه لا يهدي من هو كاذب وكافر! وذلك لأن كل تلك المبررات والحجج واهية، فما يفعلونة مع تلك الآلهه هو عبادة لهم من دون الله.

وإذا سألنا البعض من الصوفية الذين لا يعلمون حقيقة التصوّف ولا يعلمون عنه إلا اسمه، والإنشاد والمديح والموالد عن سبب تقربهم من الأضرحة؟ سيقولون مثل هؤلاء الوارد ذمّهم في الآية الكريمة، سيُجيبون بنفس إجابة كفّار عصر الجاهلية ويقولون، نحن لا نعبد الأولياء، بل نتخذهم وسيلة ليشفع الله لنا بهم!.

وتلك الأفكار مع الزمان تطورت، ووجدنا من لا يُنادي الله، بل يُنادي الأولياء ويطلب منهم في خروج واضحٍ عن مفهوم الوسيلة، وقد ورد في الفيلم نص ذلك عندما قال العجوز الي فقد ابنه في الرسالة مِراراً: “ابني يا شافعي، ابني يا شافعي، ابني ياشافعي” بمعنى انه يطلب من الامام الشافعي أن يُرجع له ابنه!، فتطور الأمر وذلك طبيعي وسنعلمُ لماذا، وأخذ الناس يطلبون ويتضرعون إلي الأموات، بل ورأيتُ بأُم عيني من يسجد لهم! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

إن من عظمة الدين الإسلامي أنه حرر العباد من عبادة العباد، ووجههم إلى عبادة رب العباد، فالله يقول: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”. ويقول في موضع: “وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ”. وغير ذلك من الآيات الكثيرة التى تثبت أنه لا واسطة بين العبد وربّه.

وإنني هُنا أسالُ نفسي سؤالاً، هل عندما يكون بإستطاعتي الكلام مع الرئيس أو المدير مباشرة بدون حرج، بل وبرغبة من المدير هل عندما اُريدُ منه طلباً أذهبُ إليه أم اتخذ من السكيرتير واسطة!.

هل الله لا يسمعُ مني وأنا ساجدٌ في غرفتي الصغيرة المظلمة؟ هل لن يلتفت إليّ الله لأنني أدعوهُ مباشرةً؟. إيهما أقرب: من العبد إلى الله مباشرةً أم من العبد إلى الولي ومن الولى إلى الله!!.

هذا ما أجاب عليه إبراهيم عيسى في الفيلم، فقد قال الرجُل الذي في مسجد الحسين لآسر ياسين: “صلّي لربنا وادعي ربنا يشفيها” إذًا فهذا هو الحل (بجانب الحل العلمي والذي يقوم به الأطباء طبعًا).

ثم السؤال الآخر، هل الإنسان يستطيع أن يخدع الله عز وجل؟ بطل الفيلم في داخل الفيلم يقول عنه صديقه (أنه لا يصلي الجمعة) فبماذا ينفعه التوسل من عدمه أصلاً وهو تارك للفريضة الأهم في الإسلام والتي هي عماد الإسلام وقرة عين الرسول والفرق بين المسلم والكافر؟!.


إن معظم الرسائل التي كتبت للشافعي وكتبها المتوسلون له لم يفتحها الشافعي، ومنهم على سبيل المثال (هاجر) تلك الطلفة التي قتلها الفقر والإهمال ولم تنقذها رسالة مكتوبة بجانب ضريح الإمام الشافعي.


إن الله يسمعنا ولو عصيناه ألف مرة، ويتوب علينا ويقبل توبتنا بل ويقول الله في الحديث القدسي، انه ما تقرب عبدُ إلى الله شبراً إلا تقرب الله منه ذراعا، وما تقرب العبد إلى الله ذراعا إلا تقرب الله منه باعا، وإن اتي العبدُ ربه ماشيًا أتاه الله هرولة. وتلك إجابة لوالد هاجر في الفيلم الذي يتسائل (أنا يارب؟ تسمعني أنا؟ أنا مدمن مليش لازمة) فأقول له نعم يسمعك بل وبدون ان تمشي لترسل رساله له مع أحد أوليائه.


ثم أن الجزئية الأهمّ وهي أن محور الفيلم يدور حول ضريح الإمام الشافعي رحمة الله، صحيح؟ – بالطبع. ومن يتوسلون به هم العامة والصوفية صحيح؟ -بالطبع أيضًا.


هل سأل أحدهم نفسه عن رأي الإمام الشافعي في الصوفية من الأساس؟ فلو سأل أحدهم نفسه وبحث لوجد ما يصدمه.

فمن المعروف عن الشافعي ذمه للصوفية ولطريقتهم، فعن يونس بن عبد الأعلى قال سمعت الشافعي يقول: ” لو أن رجلا تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق “. وعنه أيضا أنه قال: “ما لزم أحد الصوفية أربعين يوما، فعاد عقله إليه أبدا”. وقال يونس بن عبد الأعلى تلميذ الشافعي: “صحبت الصوفية ثلاثين سنة، ما رأيت فيهم عاقلا، إلا مسلم الخواص”! وكُل ذلك وأكثر موجود في المجلد الثالث من كتاب تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي تحقيق احمد المزيد طبعة دار الوطن للنشر.

إن كُل فكر مغلوط هو في الحقيقة يخدم بصورة مباشرة الأفكار الأشد خطورة في مجتمعاتنا، وتسويق الصوفية الخاطئة للناس ما هو إلا إبعاد لهم عن المنهج الإسلامي الصحيح الذي نزل به جبريل على رسول الله. فمن الخطورة ان يوضع الإعتقاد محل تجربة وذلك عندما قال آسر ياسين: “عشت سنين مش مصدّق، إيه المانع أصدّق دلوقت؟”. وهذا اسلوب تسويق واضح للصوفية بصورتها الغير صحيحة، وبنفس المنطق فما المانع عندما تصيبني مصيبة أن اعتنق اليهودية وأقولُ: ما المانع أن أُجرِّبها. وبالمناسبة ما الذي يجعل آسر ياسين في الفيلم يذهب للكنيسة ويضيء شمعة وغير تلك الطقوس! بالطبع هو ذاك المنطق الخاطئ، يُذكرني ذلك بالفيلم الهندي P.K الذي عبد فيه البطل الله بكل الديانات والطوائف ليحصل على الإجابة.

كل ذلك بالإضافة إلى إرسائل رسائل غير مباشرة كربط السلفية بالهدم مثلاً، وكجعل الشرير وصاحب المصلحة في الفيلم يقول كلاماً صحيحا فلا يقبله المشاهد لكون دور هذا الرجل في الفيلم لا يوحي بأنه يقول صواباً.

ويستطيع من يجد في نفسه الرغبة في دراسة الصوفية الصحيحة أن يتوجّة لأي كلية شرعية من كليات الأزهر الصحيح، سيجد بالتاكيد في مكتبتها أو مقرر على طلاب السنة الأولى منها كتاباً على الأغلب سيكون اسمه (مدخل إلى دراسة الصوفية) ومن هذا الكتاب ستعرف الصوفية وستعلم منه كيف تُكمل الطريق الصحيح في تعلُمها، دون انحراف أو مغالاة.

واختم المقال بجملة أعجبتني كثيراً في هذا الفيلم وهي: “كُل م تفتح للناس شباك؛ ربنا هيفتحلك باب”.

الفتح والغزو (صراع المصطلحات).

هذا المقال تعليقاً على مانشرته  جريدة  أخبار اليوم على صفحتها على الفيسبوك من تصريح منسوب لمعالي وزير التربية والتعليم يقول فيه: لا يوجد في مناهجنا فتح عثماني لمصر.

إلى متى سنظل مختلفين على ألفاظ؟ هل هذا هو الهدف من تدريس مادة التاريخ؟.

اليونان حكموا مصر ومن بعدهم الرومان، عمرو بن العاص حكم مصر فى عهد الخلافة الراشدة، الأمويين حكموا مصر، العباسيين حكموا مصر، الفاطميين حكموا مصر، المماليك حكموا مصر، العثمانيين حكموا مصر.

وكل هؤلاء لهم مالهم وعليهم ماعليهم نستطيع أن نستفيد من تجاربهم وتجنب أخطائهم وهذا هو الهدف الأسمى للتاريخ، فهو ليس للقصص ولا الحكايات ولا للتسلية ولا للإختلاف حول هل هذا فتح أم غزو وهل هذه دولة مسلمة أم كافرة وهل الدولة المسلمة شيعية أم سنية…الخ.

لماذا لا ندرس ونتكلم فى أن هؤلاء أصابوا وتقدموا بسبب كذا وكذا وكذا ونحن سنقتفى أثرهم فى ذلك لنصل إلى ماوصلوا إليه، وهؤلاء جانبهم الصواب فى كذا وكذا وكذا ونحن سنتجنب هذه الأخطاء لكى لا نقع فيما وقعوا فيه.

يجب أن يُعامل التاريخ معاملة العلوم ذلك لأنه علم، علم له فوائد وثمار، أهمية وضرورة، مبادئ ومناهج للبحث، وطرق للنقد والتحليل…الخ.

يجب أن يُنحّى كل صراع ديني ومذهبى وسياسى جانباً، فكما لا يمكن إقحام الدين والسياسة فى الرياضيات والفيزياء كذلك يجب عدم إقحامهم فى التاريخ.

وهذا لا يمنع أن يستخدم رجل الدين ورجل السياسة التاريخ، ولكن كما ذكرتُ، يجب أن يتم التعامل مع التاريخ كعلم.